حمد الصالحي يكتب لـ المسار: إلى معالي الوزيرة…
المسار | آراء الكُتاب
الأستاذ حمد الصالحي
التعليم جواز السفر إلى المستقبل – مالكوم إكس
تفقد العملية التعليمية قيمتها إذا كانت مخرجاتها ونتائجها هزيلة ولا ترقى لمستوى الطموح، حتى ولو أنفق عليها ملايين الريالات، ولو خطط لها ألف خبير.
أحاول في هذا المقال إثارة تساؤلات حول قضية تربوية حساسة لطالما أرقتني وأرهقتني تفكيرا لعلها تلقى آذانا صاغية من واضعي السياسات التربوية في السلطنة. جميع ما سيذكر في هذا المقال مبني على ملاحظاتي المباشرة من الميدان التربوي.
هل يعلم المعنيون بالتعليم في السلطنة أنه وبعد أحد عشر عاما من الدراسة المنتظمة بالمدارس الحكومية يصل إلى الصف الثاني عشر طلبة لا يستطيعون قراءة جملة واحدة باللغة العربية بشكل صحيح. كيف وصل هؤلاء الطلبة إلى الصف الثاني عشر وهم بهذا المستوى؟ وماذا كانوا يدرسون خلال السنوات الماضية؟ ومن المسؤول عن هذا الأمر؟ لقد كانوا يذهبون إلى المدرسة يوميا، ولكنهم لم يكونوا يتعلمون.
الذهاب إلى المدرسة يختلف عن التعليم – حسن كمال
هل يعلم القائمون بالشأن التربوي بالسلطنة بأن صفوف كاملة بالصف الثاني عشر أغلب طلبتها لا يحفظون الحروف الهجائية باللغة الإنجليزية، ومن عجيب الأمر أن هؤلاء الطلبة أنفسهم مطالبون بدراسة مناهج دراسية قوية والنجاح فيها في نهاية العام. الغريب في الأمر أنهم ينجحون.
ولكن كيف!؟ يقول لي رودولف؛ ” لا أحد يسعى لتعليم جيد، الكل يسعى لدرجات جيدة.” وبالفعل يحصل الطلبة على درجات بطريقة ما!
ولأنها مشكلة حقيقية، وفي محاولة يائسة يطلب المشرف التربوي من المعلمين وضع خطة علاجية لهؤلاء الطلبة، ويطلب من المعلمين إنهاء المنهج في الوقت المحدد للخطة التدريسية. السؤال هنا: ما هي الخطة العلاجية السحرية التي ستعالج مالم تسطع عليه إحدى عشرة سنة ماضية، وستجعل طالبا لا يعرف الحروف الهجائية قادرا على مواكبة منهج واختبارات تؤهل إلى التعليم العالي خلال مدة قصيرة؟ وكيف سينهي المعلم منهجه وهذا حال الطلبة؟ هذه الخطط العلاجية كان ينبغي لها أن تعالج مجموعة صغيرة من كل صف، وهي النسبة الطبيعية المعقولة، ولكن أن تتحول لعلاج صف كامل لأن مستوى جميع الطلبة متدني فهذا لعمري شيء عجاب!
أقول آسفا لقد أصبح مساق التطبيقية (الأدبي سابقا) وصمة عار لكل من يتجه له، لأن نسبة ليست بالقليلة ممن يتجهون إلى هذا المساق هم من الطلبة دون المستوى. يتهافتون عليه هربا من المواد العلمية في مساق البحتة (العلمي سابقا). إن الأدب والعلوم الإنسانية علوم راقية جدا، ولكنها للآسف أضحت في مدارسنا ملاذا للهرب من الكيمياء والفيزياء والأحياء، ومجتمعا لمن أعيته الدراسة وفقد شهيته نحوها.
حتى القلة من الطلبة المتميزين في المساق الأدبي يجدون أنفسهم محاطون ببيئة صفية محبطة من زملاء ليست لديهم الرغبة ولا القدرة على التعلم. فتجدهم في نهاية الأمر منطوون على أنفسهم في ظل الهيمنة للكثرة غير المؤهلة حقا للوصول إلى هذا الصف. أليس هذا بظلم بحق هؤلاء الطلبة؟
لا ينكر أحد قضية الفروق الفردية للطلبة وتفاوت القدرات العقلية بينهم، ولكننا في الحقيقة تجاوزنا قضية الفروق الفردية إلى مدى عجيب. في الصف نفسه، طالب متميز دراسيا، وزميله الذي يجلس بجواره لا يعرف القراءة ولا الكتابة! هل هذه الحالة تدخل ضمن الفروق الفردية الطبيعية؟ كيف للمعلم أن يتعامل مع النقيضين ويوفق بين المناهج المكثفة، والوقت القصير، والملفات الكثيرة المطلوب منه انهائها على مدار الفصل الدراسي؟
إن وصول هذه الفئة دون المستوى إلى هذه المرحلة الدراسية يسبب عبئا كبيرا عليهم ومعاناة لزملائهم المتميزين وثقلا على كاهل المعلمين، والنتيجة المحتملة مخرجات تعليم لا ترقى للآمال المنشودة، كما يصل إلى الكليات والجامعات نماذج من الطلبة غير قادرة على مواكبة التعليم العالي ويتم استبعادها وطردها بعد عام أو عامين من التحاقها بالكلية أو الجامعة.
لم لا يكون هناك اختبار وطني بالصف التاسع يحدد الطلبة المستحقين لمواصلة الدراسة في المساقين العلمي والأدبي، بينما ينتقل الذين لم يتمكنوا من الحصول على الدرجة المطلوبة إلى مدارس مهنية تتناسب ومستوياتهم، يتعلمون بها علوم التجارة والزراعة والصناعة وغيرها مما يحتاجه سوق العمل ليبنى الوطن بسواعد أبنائه لا بسواعد غيرهم. هذه المدارس المهنية ليست لغرض تهميش هؤلاء الطلبة ولكن لتنمية مواهبهم وإمكانياتهم غير الأكاديمية، فنحن لا نتوقع بأن يتخرج الجميع كمعلمين أو أطباء أو مهندسين.
إن هذا التوجه والتقسيم له فوائد كثيرة على مستقبل التعليم في السلطنة، ومن هذه الفوائد:
- سيصل إلى الصف العاشر وبعده الحادي عشر والثاني عشر نخبة من الطلبة عندها دافعية ذاتية ورغبة حقيقية في التعلم، بالإضافة إلى امتلاكها للقدرات العقلية المناسبة للنجاح الدراسي والتفوق الأكاديمي.
- سيكون مساق التطبيقية مثله مثل مساق البحتة من حيث التنافسية وجودة التعليم والطلاب.
- لن يضيع المعلمون أوقاتهم في وضع خطط علاجية ليست ذات جدوى حقيقية وسيكون تركيزهم موجها لتعليم طلبتهم وفق المنهج المرسوم لهم، في ظل تنافسية بين طلبتهم المتميزين.
- ستصبح جودة التعليم عالية، وسيبذل المعلمون أقصى جهدهم حيث أن بيئة التعلم التي تتسم بوجود طلبة جادين في التعليم وقادرين عليه ستهيئ المعلم للعطاء والرقي بمستويات طلابه لأقصى الحدود.
- ستختفي ظاهرة النجاح المستتر، ولن يصل للصفوف العليا طلبة لا يعرفون الأحرف الهجائية أو قراءة الجمل البسيطة، وأحيانا لا يجيدون حتى كتابة أسمائهم.
- سيتشكل وعي آخر لدى الطلبة أصحاب القدرات المنخفضة دراسيا في مدارسهم المهنية، وسيتم استغلال ذكاءاتهم المختلفة في مجالات أخرى تنفعهم وتنفع مجتمعهم وتثري سوق العمل لاحقا.
- سيتوجه للتعليم العالي الكفاءات المناسبة من الطلبة والذين يستحقون فعلا مواصلة التعليم العالي.
- سيكون أولياء الأمور أكثر حرصا واهتماما بتعليم أبنائهم في المراحل الابتدائية، حرصا منهم على أن يحقق أبنائهم النتيجة المرجوة في اختبار الصف التاسع الذي سيحدد وجهتهم المستقبلية.
كانت هذه مجموعة من التساؤلات طرحتها غيرة مني على التعليم في بلادي، ورغبة مني في أن أرى عمان في مقدمة التصنيف العالمي للتعليم. التعليم هو الرهان الصعب الذي يجب أن يدار بأمانة وقوة، وأن تعالج مشكلاته من الجذور ولا يكتفى بالحلول السطحية التي تحاول تلميع الخارج، وتجاهل الداخل المظلم.
أسوء صور الخيانة التي يقترفها الموظف، هي السماح لرئيسه بارتكاب خطأ كان من الممكن تجنبه –
روجر فريتس