آراء الكتاب

د. محمد الحوسني يكتب : ما نتطلع إليه من الباحث في التأريخ العماني

المسار | آراء الكتًاب 

د. محمد بن شامس الحوسني

تكتسب أهميّة دراسة التّأريخ وأحداثه اهتماما واسعا من قبل الباحثين والمهتمين بالتأريخ كونه من أهم العناصر التي يستند اليها أي مجتمع في تطوّره وتقدمه الذي شهد على الماضي ويكتب عن الحاضر وما يمكن أن يكون عليه المستقبل، عن طريق تمحيص وتحليل ما به من أحداث بغية الاستفادة وأخذ العبر، هذا فضلا عن استلهام القدوات الصالحة، الذين كان لهم الدور البارز في أحداثه في مختلف المجالات الدينية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والسير على نهج المثابرين والمؤثرين والناجحين منهم والاعتزاز بأعمالهم المتميزة، وفي المقابل يتيح لنا دراسة التأريخ الوقوف على جوانب الإخفاق التي مرت على تلك الشعوب من خلال دراسة   أحداثها والنتائج التي ترتبت عليها والعمل على الاستفادة منها في الواقع الحالي وما نتطلع إليه في المستقبل.

يعد منهج البحث في التأريخ من بين المناهج العلمية التي يعتد بها في مجال الدارسات والبحوث التاريخية لاعتمادها على أسس ومعاييرمحددة تجعل من البحوث والدراسات مجال البحث ذات قيمة تاريخية يستند إلى نتائجها متى ما تم اتباع تلك الأسس والمعايير وبخاصة أن تلك الدراسات تعد ذات قيمة إضافية لعصور تاريخية بما تحويه من نشاط عسكري وسياسي واجتماعي واقتصادي وديني ذات أثر في ماضي البشرية.

يعمل المنشغلون بالدراسات التاريخية من المؤرخين والمهتمين في تطبيق تلك الأسس والمعايير المنهجية التي تتفق مع معايير مناهج البحث العلمية في الدراسات الاخرى وتختلف في جوانب ذات خصوصية تميز الدراسات التاريخية عن غيرها لكونها تدرس احداث ماضية وحقب تاريخية محددة، ويحرص الباحثون في مجال الدراسات التاريخية الى اتباع تلك المعايير وبخاصة عند الرجوع إلى المصادر الأولية والمراجع الثانوية التي تدعم دراساتهم بغية تحقيق نتائج ذات اعتبارات علمية يعتد بها نظرًا لإدراكهم ان هناك ملوثات جمة قد تحيط بتلك الدراسات مما قد يفقدها قيمتها التاريخية نتيجة تجاهل الباحث أو عدم معرفته باستخدامها لأنه لم يعد الباحث في مجال الدراسات التأريخية (باحث نقل) لما يقع تحت يديه من مصادر أولية كالمخطوطات والدراسات المعاصرة للحدث.

يصادف الباحث في مختلف البحوث وبخاصة التأريخية منها ،جملة من التحديات من أبرزها: صعوبة الوصول إلى المصادر الأولية والمراجع الثانوية وبخاصة إذا كانت أحداث المشكلة البحثية التاريخية تطال طرفين، أو حضارتين أو وجهات نظر عديدة متباينة حول حدث ما، فإن الباحث التاريخي يسعي للوقوف على مصادر ومراجع من الأطراف المعنية في الحدود الزمانية والمكانية، ومقارنة ما ورد فيها من معلومات تمكنه من الوصول إلى حقائق تلك الأحداث بحيادية تامة وحس علمي رصين بغية تقديم نتيجة تضاف إالى القيم التاريخية التي قد لا تكون معلومة من المهتمين بمثل هذه البحوث. واضعا نصب عينيه خطورة الاعتماد على مصادر ومراجع جهة واحدة دون أن تتم الإشارة إلى ذلك مع مراعاة إيضاح بعض المفاهيم والمصطلحات الواردة في تلك المصادر والمراجع بما يتوافق مع السياق العام وتبيان درجة توافقها مع الأطراف، تكمن تلك الخطورة ليس فقط في افتقاد النتائج التي قد يتوصل إليها إلى عدم الموضوعية، وإنما قد تتسبب في ردود فعل تؤدي إلى خلافات وأزمات سياسية كان يمكن تداركها.

وبما أن التاريخ العُماني- الموغل في القدم منذ ظهور دولة مجان قبل الألف الرابع قبل الميلاد وحتى الدولة البوسعيدية- مادة دسمة للمهتمين بالدراسات والبحوث التاريخية نظرًا لظهور المجتمعات المستقرة على امتداد الأرض العمانية التي امتهنت الزراعة والتجارة وصيد الأسماك الأمر الذي يشير إلى أن ذلك كان سببَا رئيسًا في أن تكون عُمان مركزًا حضاريًا نشطًا تفاعل منذ القدم مع مراكز الحضارات على مختلف العصور، وقد مر التاريخ العماني بمنعطفات مهمة في عصوره المختلفة ويشهد على هذا التاريخ جملة من المصادر متمثلة في المخطوطات والآثار والمؤلفات التي عاصر أصحابها تلك الأحداث تزخر بها المكتبة العمانية هذا فضلا عن احتواء المكتبات العالمية العديد من المصادر والمراجع تناولت التأريخ العماني في عصوره وبخاصة في العصر الحديث، ومن الأهمية بمكان رجوع الباحثين إليها والوقوف عندها ومقارنة تلك المصادر والمراجع المحلية والخارجية ما بها من معلومات لإظهار الحقائق التاريخية من وجهات نظر متعددة مع إضافة ما يتطلبه البحث التاريخي من تعليق أو تنويه أو تسبيب أو رأي من دون الإخلال بضوابط البحث التاريخي حتى لا تصاب النتائج البحثية عن التاريخ العماني بشيء من التلوث فتصبح عديمة القيمة.

المصدر
المسار-خاص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى