آراء الكتاب

سالم الحجري يكتب: زلزال المغرب وفيضان ليبيا.. ثم ماذا بعد ؟  

المسار | آراء الكتَاب 

سالم بن حمد الحجري

إن الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والفيضانات، لديها القدرة على إحداث دمار هائل، وإزهاق الأرواح وإحداث دمار واسع النطاق، وقد فُجع العالم قبل أيام بكارثتين مفزعتين على الشعبين المغربي والليبي في الزلزال الذي ضرب إقليم الحوزة في جنوب مدينة مراكش والذي راح ضحيته الآلاف بين قتلى وجرحى ومشردين، والفيضان الذي غمر مدينة درنة الليبية والذي أيضا كانت ضحاياه بالآلاف بعد أن انهارت منظومة السدود التي كان من المفترض أن تحمي المدينة من السيول الجارفة التي عادة ما تجري في الوادي الذي يقسم المدينة إلى قسمين.

إن حجم الكارثتين مهول وضخم وإذا ما اعتبرنا أن الزلزال كارثة طبيعية يصعب التنبؤ بوقت حدوثها فالفيضانات والسيول الناتجة عن الأمطار الشديدة أصبحت مما يسهل تتبعها والتنبؤ بها بل وتحديد المناطق المتأثرة بشكل مباشر من غير المتأثرة، وفي كل الكوارث والحوادث والتي يتضرر بها عدد كبير من الناس يأتي ما يسمى بإدارة الكوارث الذي يعد أمرًا بالغ الأهمية لتقليل تأثيرها على المجتمعات المتضررة، والاستخدام الفعال لموارد الدولة يصبح ذا أهمية قصوى في التغلب على هذه الآثار. ومن المؤسف أن الفساد والتخلف وسوء الإدارة كثيراً ما يعيقان جهود الإغاثة والإنقاذ، مما يجعل الفئات السكانية الضعيفة أكثر عرضة للخطر، ولا شك فإن الدولة بمواردها المادية والبشرية تتحمل المسؤولية الكبرى في إدارة الكوارث الطبيعية للتقليل من آثارها ويجب عليها أن تعطي الأولوية للاستعداد لمواجهة الكوارث من خلال الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر، وتطوير البنية الأساسية القوية مثل المباني المقاومة للزلازل وشبكات المواصلات وبناء السدود وصيانتها وأنظمة الرصد والإنذار المبكر التي من خلالها ، يمكن الحد من تأثير الكوارث الطبيعية بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، فإن تخصيص الأموال الكافية لفرق الاستجابة للطوارئ والمعدات وإمدادات الإغاثة يتيح عمليات الإنقاذ الفعالة وفي الوقت المناسب. ومن خلال تسخير موارد الدولة، يمكن للحكومات تعزيز قدراتها على إدارة الكوارث وتوفير استجابة سريعة للمجتمعات المتضررة، والحد من الخسائر في الأرواح والممتلكات.

ويشكل الفساد وسوء الإدارة سببا في تفاقم آثار الكوارث الطبيعية، وفي ذلك أمثلة عديدة منها سوء استثمار موارد الدولة و اختلاس الموارد المخصصة لإدارة الكوارث مما يؤدي إلى تأخير وصول الإغاثة للمناطق المتضررة، ولعل المتابع ليوميات الكارثتين في المغرب وليبيا يلمح شيئا مما ذكر، حيث يظهر بشكل واضح تأخر فرق الإغاثة في الوصول إلى مناطق الزلزال في المغرب وضعف الامكانيات في العتاد المستخدم للإنقاذ ورفع الأنقاض وانتشال الجرحى من تحت الركام فضلا عن افتقار المناطق الريفية التي ضربها الزلزال إلى البنية التحتية المناسبة وشبكات الطرق المختلفة التي تمكن فرق الإسعاف والإنقاذ من الوصول في وقت أبكر مما حدث. ليس ذلك فحسب، بل أن عدم وجود مستشفيات مجهزة بمستوي الرعاية الصحية الأولية فاقم من آثار الزلزال وقضى الكثير من المدنيين إما تحت الأنقاض لأيام في انتظار من ينتشلهم أو في طريقهم الصعب إلى أقرب المستشفيات والتي غالبا تكون بعيدة ولم تتمكن فرق الإنقاذ الدولية من وضع المستشفيات الميدانية إلا بعد أيام من الكارثة، ورغم ما أظهره الشعب المغربي من تلاحم وترابط كبير في تسيير قوافل الإغاثة، إلا أن ضعف استعداد الدولة وأجهزتها الإدارية كان واضحا في الارتباك والتخبط.

ولم يكن الحال بأفضل منه في ليبيا التي كان للانقسام السياسي بين مكونات الشعب بين شرق وغرب، واستنزاف موارده المالية لسنوات في الحرب الأهلية وتكريس الانقسام وإهمال التنمية والبنية التحتية والمرافق الحيوية للدولة، بالإضافة إلى إهمال كامل لبناء أنظمة الطوارئ والانذار المبكر من الكوارث وأنظمة تتبع العواصف والأعاصير ووجود خطط الإجلاء والملاجئ المجهزة، فضلا عن الفساد المستشري والذي يؤدي إلى وجود مبان مهترئة ضعيفة التأسيس، غير قادرة على مقاومة الفيضانات وتدفق المياه، وذلك يتضح من حجم التجريف الكبير الذي طال المباني على ضفتي وادي درنة، وذلك كله يضاف إلى سوء الإدارة المحلية للمدينة ولعموم المدن الليبية.

إن ما حدث كان فوق التصور وأكثر مما يمكن توقعه، وكان كارثيًا بكل المقاييس وستظل تأثيراتها لسنوات عدة وندوبها غائرة في جسد الشعبين المغربي والليبي، ولعلهما نموذجان واضحان في سوء إدارة الأزمات والكوارث، وكيف يمكن للحكومات أن تحمي مجتمعاتنا من خلال تفعيل منظومات المتابعة والشفافية ومحاربة الفساد وتطوير البنى التحتية وتوجيه موارد الدولة لخدمة ورفاهية الشعب، وتسخير الإمكانيات المادية لتعزيز قدرات المجتمع ورفاهيته، وتطوير المنظومة الإدارية والبشرية وتدريبهم بشكل احترافي وتوفير الأدوات والآليات اللازمة للإنقاذ، وهذا أمر ليس بالعسير في حال توفر الإرادة الوطنية والرؤية الواضحة، وإذا ما ترسخت القناعة التامة بأن الإنسان وسلامة حياته هو الهدف الأسمى للحكومات والغاية التي ترخص لأجلها كل الأموال.

المصدر
المسار-خاص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى