علي الشيادي يكتب: الشبكة والسمكة والفرص المهدرة
- هنالك من يُعطى هذه السمكة - التي قد تكون على هيئة مالٍ أو وظيفةٍ أو أشياء أخرى - فتأتيه على طبقٍ من ذهب (كما يُقال) إلا أنه قد يجعلها تُفلت من يده ولا يستفيد منها نتيجة لسوء تعامله مع هذه النعمة، أو قد يُسرف في استخدامها فيبددها يمنةً ويسرة كونها جاءته بكل سهولة ، وقد تُعجبه المِنحة فلا يعتمد حينها على ما سيأتيه من مِنحٍ قادمة. وهنالك من تُوهب بدل الشبكة شِباك على هيئة فُرص عمل أو برامج تدريبية أو تسهيلات تمويلية أو غير ذلك، لكن لعدم عِلمه بالطرق الخاصة بها؛ فإنه لا يُجيد استخدامها، ولأنها لا تتناسب مع المعطيات التي تتوفر معه؛ فإنه لا يُحسن تدبير شؤونها.
المسار | آراء الكتاب
م. علي بن طالب الشيادي
في موقفٍ عابرٍ مررتُ بشابٍّ ثلاثيني يبيع الأسماك وبه من علامات السعادة ما يشي للآخرين بأنه تلقّى خبراً جميلًا، وأثناء تقطيعه للسمك كنا نتبادل أطراف الحديث حول تحديات الحياة وكيف يمكن أن نصنع منها فرصاً للنجاحات، فكان مما ذكره قراره بترك الوظيفة مكرهًا بعد أن كاد وقتها يلتهم وقت مشروعه الصغير، وأنه منذ صغره تعلّم أن يشق طريقه في الكسب الحلال بالطريقة التي يراها مناسبة.
ما إن أوشك على الانتهاء من عمله وحديثه إلا وأقبل شابٌ آخر ترتسم على وجهه ابتسامة فرح (اتضح فيما بعد أنه صديقه) وبعد أن عرّف به استطرد يربط حديثنا بصاحبه، ويوضح أن بينه وبين صديقه تشابه كبير في اقتناص الفرص، ليتضح أن الآخر يعمل في ذات المهنة -رغم أنه ليس من أهل الساحل- بجانب عمله في الزراعة، ثم بدأ في سرد قصته، ولعل أبرز ما ذكره أنه كان إذا طلب في طفولته مالاً من والده ، طرح له عدة مهام تناسب عمره ليختار منها ما يرى نفسه قادر عليه، وفي حال إنجاز مهمة أخرى أو إنهاء مهمته قبل انتهاء وقتها فإنه يكافئه بمبلغ أكبر ، وحين سُئل عن الوالدُ عن ذلك أجابهم بأنه يريد أن يعلم أبناءه كيف يعتمدون على أنفسهم و يكسبون من عرق جبينهم .
هذا الحوار ذكّرنا بالمثل الصيني القائل “لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد”، وقد تأخذنا الذاكرة سريعاً إلى ذلك اللقاء الإذاعي الذي تحدث فيه الضيف عن السمكة والشبكة وما صاحبه من تعليقات وردود أفعال، وهنا لستُ بصدد الحديث عن اللقاء ذاته، إنما عن الفكرة التي قد ينظر كل واحد منا فيها من منظوره الخاص والمختلف عن غيره.
وفي حقيقة الأمر فإن أي نوعٍ من الإعطاء – سواء كان سمكةً أو شبكة – يتطلب أن نعطي من يستلمها ما يحقق له الاجتهاد والابتكار والاستدامة وحُسن إدارتها والانتفاع الحقيقي منها، فإن أعطي أحدنا الآلاف والملايين دون جهد أو تعب فإنها ستذهب هباء ما لم يُحسن التصرف فيها، وإن أعطي أحدنا كل الأدوات المعينة على كسب هذه الأموال فإنها لن تُجدي شيئا ما لم تكن معه المعرفة الكافية بآليات وطرقها استخدامها.
هنالك من يُعطى هذه السمكة – التي قد تكون على هيئة مالٍ أو وظيفةٍ أو أشياء أخرى – فتأتيه على طبقٍ من ذهب (كما يُقال) إلا أنه قد يجعلها تُفلت من يده ولا يستفيد منها نتيجة لسوء تعامله مع هذه النعمة، أو قد يُسرف في استخدامها فيبددها يمنةً ويسرة كونها جاءته بكل سهولة ، وقد تُعجبه المِنحة فلا يعتمد حينها على ما سيأتيه من مِنحٍ قادمة.
وهنالك من تُوهب بدل الشبكة شِباك على هيئة فُرص عمل أو برامج تدريبية أو تسهيلات تمويلية أو غير ذلك، لكن لعدم عِلمه بالطرق الخاصة بها؛ فإنه لا يُجيد استخدامها، ولأنها لا تتناسب مع المعطيات التي تتوفر معه؛ فإنه لا يُحسن تدبير شؤونها.
لذا؛ فإن الحل يكمن في إعطاء كل شخصٍ ما يناسبه، فمثلا كبير السن الذي لم يعد مُعيلاً لأحد من الممكن أن تنجح معه فكرة إعطاء السمكة إلا أن الفكرة قد لا تنجح مع الشاب الصغير في السن، كما أن الشاب الصغير قد لا تنجح معه فكرة الشبكة ولا الصنارة ما لم تتقدمها أمورٌ كالمعرفة والشغف وغيرها، فلا يصح أبداً أن نأتي بكل أدوات الهندسة ونعطيها لأحدهم ونقول أننا أعطيناه الشبكة، إذ لا بعد من معرفة ميوله ورغباته وشغفه وبعد ذلك تأهيله في المجال الأنسب له.
وهنا رسالةٌ للجميع: أنتم أعلم بحاجاتكم ورغباتكم وقدراتكم ومعارفكم وكل ما يتعلق بكم، فلا تنتظروا السمكة التي قد تكون انتهت صلاحيتها، ولا تستخدموا شباكاً غير شباككم، بل تعلموا واعملوا ” فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”.
طرح جميل